ومن أعظم أصول هذه العقائد التي أظهرته في القرن الخامس وما بعده هو القول بالباطن، وهذا من أعظم الأسباب أو هو السبب الذي سموا من أجله
الباطنية، فهو أقرب وأصح الأسباب في تسميتهم
الباطنية، وهو أنهم يقولون بالباطن، فما هو هذا الباطن؟
قالوا: إن الدين له ظاهر وباطن، فظاهر الدين ما يعلمه الناس من القرآن والسنة التي يقرأها أي إنسان على ظاهرها، وهذه شريعة الدين الظاهرة التي جاء بها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن هناك الوصي -على خلاف بينهم في هذه القضية، لكن المقصود أن هناك إماماً مستوراً أو إماماً وصياً هو
علي، ثم بعضهم يقول: لا، إنه يبتدأ رأساً من
إسماعيل بن جعفر الصادق كما تقدم- وهذا الإمام المستور يأتي فينسخ الشريعة الظاهرة ويحل محلها الشريعة الباطنة، ولهذا لا يبقى من الشريعة الظاهرة إلا الرسوم، وأما الحقيقة فإنه لا يعلمها إلا الإمام المستور، ومن ذلك -مثلاً- الصلوات الخمس، فهذه العقيدة عند أهل الظاهر وهي الدين الظاهر وهو كما يفعله المسلمون حيث يصلون الصلوات الخمس يومياً، يقولون: لما ظهر
إسماعيل بن جعفر نسخ هذه الشريعة وجاء بشريعة الباطن، فهذه الصلوات الخمس هي عبارة عن أسماء خمسة -مثلاً- عند
النصيرية الذين يسمون
العلوية الصلوات الخمس أن يحفظ الإنسان أسماء الآلهة الخمسة الذين يألهونهم من دون الله، وهم
علي و
فاطمة و
الحسن و
الحسين و
محسن فهذه هي الصلوات الخمس، والصيام ليس الصيام المعروف الآن وهو صيام شهر رمضان فهذا عند أهل الظاهر، لكنهم يقولون: لا، الصيام في الحقيقة وفي الباطن ذكر ثلاثين شخصاً، أو الإمساك عن أسرار الأئمة وعدم إفشاءها، فمن يفشي أي شيء من أشياء هذه الفرقة والأئمة فإنه يتعرض للموت، ويتعرض للقتل إلى غير ذلك مما أولوه تأويلاً يخرجون به من الملة، وهم بلا شك خارجون من الملة لأنهم قالوا: لا بعث، ولا حساب بعد الموت، ولا جنة، ولا نار، والأمر كله مسألة -حسب التعبير الفلسفي عندهم- روحانية ومسألة خيالية ذاتية.
فالنبوة أنكروها وقالوا: لا نبوة ولا وحي وإنما هو فيض يفيض من العقل، إلا أنَّ هذا الرجل لديه استعداد وملكة في قبول هذا الفيض من العقل الكلي، فأنكروا وجود الله، وأنكروا صفات الله، وقالوا: لا يوصف بشيء حتى أنهم قالوا: لا نقول موجود ولا غير موجود ولا نصفه بشيءٍ مطلقاً، وإنما الإله الحقيقي عندهم هو العقل الذي يتكون في الواقع من العقول العشرة، وكل عقل خلق الثاني إلى العقل الأخير الذي خلق العالم أو أفاض على العالم كما يزعمون، وهذا هو الفيض الأفلاطوني المعروف عن
اليونان.
فهذا موجز سريع لبعض العقائد الفلسفية الغامضة التي يربون أصحابهم عليها، والتي نتج عنها وتقوى بها دين
الصوفية، فـ
ابن سبعين و
ابن الفارض وأمثالهما كانوا يرون أن النبوة مكتسبة بناءً على هذا الأصل، فيقولون: إن الإنسان إذا كان لديه استعداد نفسي يمكن أن يصبح نبياً.
وعقيدة الباطن التي وجدت عند
الصوفية وعند
الروافض وغلاة
الشيعة عموماً ووجدت في
الباطنية، تفسر القرآن والسنة كما تشاء، وهي أصلاً لا تؤمن بهما ولا تعترف بهما، فكل ما جاء في كتاب الله عز وجل يقومون بتأويله، فالصلوات الخمس -مثلاً- والصوم، والجهاد، والبعث، والجنة، والنار، كل ذلك يؤولونه، ويقولون: نحن نؤول هذا، والتأويل: هو العلم الباطن، ومن أين أخذتم هذا العلم الباطن ؟
من فرقتين ينتهي أمرهما إلى
الباطنية:
الأولى:
الشيعة.
الثانية:
الصوفية.
أما
الشيعة، فقالوا: العلم الحقيقي والذي نعرف به بواطن الأمور وحقائقها موجود في كتابين:
الأول: يسمونه
الجفر.
الثاني: يسمونه
الجامعة.
ويقولون: إن إمام الزمان الذي يدعونه دائماً في الحج والعمرة وفي كل وقت، ولذلك فإن في أي كتاب من كتيباتهم في الحج -وهي بالآلاف- أي كتاب منها مذكور فيها أدعية لصاحب الزمان، أو لقائم الزمان عجَّل الله فرجه وسهل مخرجه! كما يقولون ويدعون ويتضرعون أن يخرج قريباً حتى يحكم العالم ويظهر دينهم كذا زعموا!!
فيقولون: هذا صاحب الزمان وهو الإمام الثاني عشر الذي دخل في السرداب كما قال الشيخ
إحسان إلهي ظهير رحمه الله: إنه ذهب إلى تلك المنطقة ووجد ما يسمونه بالسرداب وهو ثقب لا يستطيع الفأر أن يدخل فيه، أي: أنه غار صغير في الجبل، قالوا: في هذا المكان دخل الإمام الغائب، وسوف يخرج من هذا السرداب في آخر الزمان، ثم ماذا يفعل إذا خرج؟!
قالوا: سوف يبعث جميع الحكام الظالمين وأولهم:
أبو بكر، ثم
عمر، ثم جميع حكام المسلمين فيقتلهم جميعاً انتقاماً لـ
علي ولآل البيت، ويقولون: إنه دخل بالعلم الباطن الحقيقي فمعه
الجفر و
الجامعة والذي فيهما كل ما كان وما سيكون، من الأخبار، والأحوال، ومن العلوم، وحقائق الدين.
ولهذا بهذه المناسبة إذا قرأتم لأي رافضي بعد أن ثارت قضية قولهم بتحريف القرآن، يقولون: لا. نحن لا نقول هذا أبداً، تعالوا وزوروا بلادنا ليس عندنا إلا هذا القرآن، وليس عندنا شيء غيره، فهم يستخدمون التقية، فيجب أن نكون منتبهين لهذا.
فما هي التقية؟
في هذه المسألة يقولون: إن
أبا عبد الله عليه السلام -ويعنون به إذا قالوا في كتبهم: قال
أبو عبد الله عليه السلام فالمقصود به
جعفر الصادق- وأيضاًَ ينسبون هذه المقولة إلى
علي رضي الله عنه، وهو برئ من ذلك، قال لهم: '' اعملوا بهذا القرآن الذي جمعه
عثمان، والمتخلفون من بعده -أي:
أبو بكر و
عمر و
عثمان- اعملوا بهذا القرآن، واقرءوه إلى أن يظهر القائم من ولدي -القائم أو صاحب الزمان من ولدي- فيظهر لكم بالقرآن الحقيقي ''.
فالآن هم يقولون هذا الكلام أمامنا، ويقولون: إنهم صادقون وليس عندهم إلا هذا القرآن ولا يوجد كتاب آخر، وهم يقصدون بذلك أن القرآن الحقيقي موجود في السرداب، ومع ذلك فقد كتبوا من مصحفهم هذا بعض السور، كما قال أحدهم وهو
الطبرسي قال: نستطيع أن نعرف بعض السور فليس لازماً أن القرآن الحقيقي كله موجود في السرداب، فإنه من الممكن أن نكتشف مثل سورة الولاية وسورة كذا، وأخذوا يأتون بسور يكتبونها بأيديهم فجة سقيمة ركيكة، ويقولون: هذا من القرآن الناقص الذي أنقصه
عثمان و
عمر و
أبو بكر رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقبح أولئك المجرمين، فالمقصود أن العلم الباطن -كما يزعمون- موجود عند الإمام في السرداب.
و
الباطنية رأوا أن المسألة إذا بقيت معلقة في السرداب فسوف تكذبها العقول ولا تصدقها، فحولوا موضوع السرداب إلى شيء آخر، فقالوا: لا، القضية ليست قضية السرداب، بل القضية أن فترة ظهور الشريعة انتهت، والآن انتقلنا إلى فترة غيبة الشريعة أو باطن الشريعة أو حقيقتها، فالإمام إلى الآن -مثلاً-
الآغاخان هو من ذريته ولديه هذا العلم، كما يقولون: الإمام هو الذي يملك ويُعطي للناس العلم، فهذا العلم الحقيقي والعلم الباطن، فهو يُفسر ويبين للناس حقيقة دينهم، وهو موجود أو نوابه وأبوابه موجودين يبلغون الناس عن الإمام، فيبلغون للناس ماذا يريد الإمام وبماذا يتعبدونه.